كل ما يستحيل علي العباد فعله أمره هين علي الله وهو ممكن في حقه - سبحانه - قال تعالي: "إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون". وقال سبحانه: "وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر". وعوائق المكان. أو حواجز الزمان لا تعوق قدرته عن أن تعمل عملها في الخلق. والكون. في اللحظة والتوّ. ولأن آيات الله الكونية في الخلق والأشياء إنما تقوم علي ترتيب الأسباب والمسببات. بحيث لا يتصور وجود المسبب إلا إذا وجد سببه. ولهذا أودع الله في كل شيء خصائصه المميزة له والمؤثرة في غيره. فجعل النار للإحراق. والماء للإغراق. وللري ولقتل الظمأ وللحياة علي وجه العموم كما قال سبحانه "وجعلنا من الماء كل شيء حي". كما جعل القوة للرهبة. والتداوي للشفاء. والطعام للغذاء. والعلم للرفعة. والسعي للرزق. والحركة للبركة. وجاء ترتيب الأدوات والأجهزة علي جملة من الأسباب المركبة والمترتبة علي بعضها. فالوقود للإحراق وتحريك الآلة. والآلة لتحريك الأجهزة. والأجهزة لإعداد ما تصنعه. والمصنوع لغايته. وهذه الغاية لغايات أخري مترتبة عليها. وكالقلب يضخ الدم. والدم يغذي البدن. ويقتل الجراثيم اللاهوائية ويغذي المخ. ويحرك الأعضاء ويؤدي إلي التفكير أو العمل أو الإنتاج. والفيروسات تسبب المرض والمرض يسبب إتلاف الأعضاء يحدث الألم. والألم يسبب التأوه والصراخ. ويؤدي إلي الموت والهلاك. وقل مثل ذلك في كافة الأشياء وجميع المخلوقات. وقد توجد الأسباب ولا تؤثر في النتيجة بل إن ذلك التأثير مما يدخل في اختصاص الله - سبحانه - وللإنجاب أسباب محددة تؤدي إلي تحقيق المطلوب منها أن تكون المرأة في سن الخصوبة. وأن يحدث تلاقح من زوجها الحامل للماء المخصب بالحيوانات المنوية القادرة علي اختراق جدار البويضة في الرحم. وأن يكون الرحم نظيفا خاليا من الكائنات المعادية لنمو الجنين. ومع ذلك فإنه قد يوجد ذلك كله ولا يتحقق الحمل ولا الإنجاب. كما قال سبحانه: "يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور. أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير".
وفي سورة مريم يضرب الله مثلا لطلاقة قدرته حين يخلق الولد دون توافر أسبابه في الزوجين. كما حدث في قصة زكريا - عليه السلام - حين بشره الله بيحيي وكانت امرأة زكريا عاقرا لا تلد وقد بلغ من الكبر عتيا فقال الله سبحانه: "قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا" كما خلق عيسي من مريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها دون أن يكون لها زوج ولما قالت كما حكي عنها القرآن الكريم: "رب أني يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا" وحين ضرب الله تلك الأمثلة للناس في كتابه. لم يكن المقصود بها الحديث عن طلاقة قدرته في خلق المسببات بدون أسباب. بل وفي ترتيب المسببات علي الأسباب فقط. بل كان يريد مع ذلك أن يؤمن الناس به إيمانا لا يخالجه شك أو ارتياب. وأنهم إذا ضاقت بهم أسباب الأرض. فإن لهم في طلاقة قدرته ملجأ وملاذا وسبحان من بيده مقادير الأشياء والمخلوقات. وهو علي كل شيء قدير.
