سم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ..أما بعد ... أحبتي في الله ..
أسأل
الله تعالى أن يجعل أعمالنا كلها صالحة ولوجهه خالصة ، ولا يجعل فيها لأحد
غيره شيئًا ، يا ربنا بلغنا مما يرضيك آمالنا ، يا رب اختم هذه العشر بخير
، واجعل خير أعمالنا خواتيمها ..
أحبتي ..
يقدم علينا خير أيام السنة " يوم عرفة " .. يوم العتق الأكبر ، يوم المغفرة المضاعفة " يكفر سنتين " ، يوم عيد لأهل الإيمان ، فنسأل الله تعالى أن يعيننا فيه على ذكره وشكره وحسن عبادته .
وأريد
أن نحيي هذا اليوم هذا العام بطريقة مختلفة ، أريد أن نستشعر معاني
الإيمان فيه ، وأن نتعبد الرحمن بقلوبنا قبل جوارحنا ، وقد وضعت لكم خطة
إيمانية للتعرف على الرحمن يوم عرفة بتجديد النوايا في الأعمال ، وهذا من
خلال تدبر السورتين اللتين ذكرا فيهما يوم عرفة ، وهما سورة البروج وسورة
الفجر ، في قوله تعالى : " وشاهد ومشهود " فالمشهود هو يوم عرفة كما بين النبي صلى الله عليه وسلم ، وقوله " والشفع والوتر " فالوتر يوم عرفة كما قال ابن عباس رضي الله عنهما .
فهذه جنة المعرفة بالله تعالى نجعلها لمن يريد ثواب " يوم عرفة " فأعينوني بقوة ، واستعينوا بالله ولا تعجزوا .
لو تأملنا السورتين نجد أنهما بدأتا بذكر " النور " : " والسماء ذات البروج " " والفجر " وكأن في هذا إشارة للإشراق الذي سيحدث لكل من يفهم هذه المعاني ويطبقها في حياته .
ثم في السورتين جاء ذكر فضل الأيام الجليلة والتنبيه إلى ارتباط تعظيمها بهذا النور ، " وليال عشر والشفع والوتر " " واليوم الموعود وشاهد - وهو يوم الجمعة - ومشهود "
ثم ذكر فيهما شأن الصراع بين الحق والباطل " قتل أصحاب الأخدود " وهناك " ألم تر كيف فعل ربك بعاد ....إلى أن قال " إن ربك لبلمرصاد " وهنا الدرس الأول :
(1) اليقين الباعث على التضحية والبذل كما صنع أصحاب الأخدود وكما صنع المؤمنون في صراعهم مع أهل الكفر في كل زمان .
وأنت عليك أن تبرهن على إيمانك بعمل تبذل فيه طاقتك ، تصدق بصدقة كبيرة لم تصنعها من قبل ، " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون
" ، الآن أنت متخوف من عواقب أن تستن بسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم
، وأنت متخوفة من أن يقول عنك الناس لو صرت كحال أمهات المؤمنين في لباسهن
، والله لو عندنا يقين وثبات لبذلنا كل ما نستطيع حتى يرضى ، هذه أعظم
القربات فمن يثلج الصدر بقرارات شجاعة وأعمال فذة تكون أعظم قربة في يوم
عرفة ؟؟؟؟
(2) الذل والانكسار بين يدي العزيز القهار ، استفدنا ذلك من قوله " إلا أن يؤمنوا بالله العزيز
" فأنت في عرفة المعرفة إذا عرفت ربك بصفة العزة ، عرفت نفسك بصفة " الذل
" فحينها تخضع وتنقاد لأمر ربك ، لا تعرف الاعتراضات ولا الحجج الواهية ،
بل تتقبل بمنتهى التواضع كل ما يأتيك عن الله من أوامر أو نواهي ، فانظر
في شيء أنت تعرف أنك لا تستطيع فعله وجاهد نفسك في أن تلزمها به ، و " اسجد واقترب " وتذلل وانكسر في كل نافلة ستصليها يوم عرفة ، وأنت تناجي ربك بأن يسجد معك قلبك ، عسى أن يلين وينكسر .
(3) دوام الشكر ، واللهج بالحمد ، ليكون لك المزيد ، وقد استفدنا هذا من معرفة ربنا باسمه " الحميد " في قوله " إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد
" ، فتذكر نعمه عليك ، وأنت لا تستحق أن تشهد عرفات ، لكن كريم أكرم جواد
، فالحمد لله حمدًا كثيرا طيبًا مباركًا فيه ملء السموات والأرض وملء ما
شئت من شيء بعد ، لك الحمد كله وإليك يرجع الأمر كله .
(4) المراقبة ، فلا تسمح لقلبك بالغفلة ولا تسمح لنفسك بالسرحان ، ركز ، واعلم أنَّ ربك " على كل شيء شهيد
" فاعبد الله وأنت تشهد أنك تراه ، أو على الأقل هو يراك ، فاتق الله في
خطراتك ، وكلما راودتك نفسك في يوم عرفة للشرود ، غيِّر من أحوالك ، إن
كنت ذاكرًا فقم للصلاة ، إن كنت مصليًا فزد في قراءة القرآن ، وهكذا " لا للشرود "
(5) حسن الظن بالله ، وقد كنا في جنتها بالأمس ، وأظنها لن تمحى من الذاكرة ، وقد استفدناها من قوله تعالى " ثم لم يتوبوا
" فرغم أن هؤلاء الجبابرة العتاة فتنوا أهل الإيمان إلا أن الله تعالى
يرجو لهم التوبة ، فيا رب هذا فعلك بمن فتنوا عبادك ، فكيف فعلك بمن يرجو
لقاءك ؟؟؟ فكونوا على حسن الرجاء ، فإن شاء الله سيغفر لنا ، وسنعتق يوم
العتق الأكبر بفضله وجوده وكرمه وما ذلك على ربي بعزيز .
(6) الإيمان والعمل الصالح ، ومن أعظم تلك الأعمال أن تصنع شيئًا متعديًا النفع للناس ، استفدنا هذا من قوله تعالى :" إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات " يا رب تكون لنا جنات في الدنيا كما كنَّا في " أيام في الجنة " وجنات في الآخرة ، وهذه الأعمال الصالحات تراها في سورة الفجر " كلا بل لا تكرمون اليتيم ولا تحاضون على طعام المسكين " كفالة اليتيم ، المسح على راسه ، إطعام الطعام للفقراء والمساكين ، فأوصيك بذلك الخير .
(7) الخوف من الجليل الذي يزرع التقوى في القلوب ، استفدناها من قوله " إن بطش ربك لشديد " ، وأنت في يوم عرفة كلما عملت شيئا خفت عدم القبول ، فألححت على ربك أن يتقبلك بقبول حسن ، وأن يتجاوز عن تقصيرك ، " والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة "
( كثرة الاستغفار قبل وبعد العمل رجاء أن يطهر الله قلوبنا ويغفر لنا تقصيرنا " إنه هو يبدئ ويعيد وهو الغفور
" فالله الغفور يغفر لعباده الذنوب الكبار ، فلا تيأس ، ولا تقنط ، وإن
شاء الله تعالى نبدأ من جديد وقد رجعنا من ذنوبنا كيوم ولدتنا أمهاتنا ،
ولم لا ؟ وربنا الغفور ذو الرحمة . (9) التودد للرحمن " وهو الغفور الودود " فهو الذي يبدأ بالمغفرة ويعيدها على عباده العاصين كلما استغفروه ، وهذا الذي يبدأ بالود والمحبة " يحبهم ويحبونه " ويعيده لهم أعظم مما كانوا عليه بعد التوبة لأنه " يحب التوابين ويحب المتطهرين " فتودد للرحمن بدمعة من خشيته ، بتضرع يلين قلبك القاسي ، بزيادة القراءة والذكر " فاذكروني اذكركم "
(10) علو الهمة لأن ربك هو " ذو العرش المجيد " ولأن كتابه عظيم " بل هو قرآن مجيد
" فمن يريد المجد والشرف والعزة والعلو عند الله تعالى ، فلا يدخر جهدا في
الطاعة وليبذل قصارى جهده لينال السبق في يوم العتق الأكبر .
هذه
عشر معانٍ أوصيكم ونفسي بها ، احفظوا في هذا اليوم أسماعكم وأبصاركم
وألسنتكم ، حاولوا أن تعكفوا تماما على الطاعة ، لا تلتفتوا لأي شيء من
أمور الدنيا ، اغلقوا هواتفكم ولا تستعملوها إلا لقربة من القربات ، ركزوا
حتى لا نضيع دقيقة من ساعات يوم عرفة ( من الفجر وحتى المغرب ) إلا وأنتم
تتقلبون في طاعة ، وأهمها طاعات القلوب هذه .
اللهم قد بلغت ..... اللهم فاشهد ..........وبالله الهجوا بالدعاء كثيرا ، ولا تنسوني من خالص دعائكم .