يظن
البعض أنه إذا كان صالحاً في نفسه فإنه بذلك يكون محمي من المؤثرات
الخارجية التي تحوم حوله ، وينسى أو يتناسى أنه جزء من كل وأنه يشكل وحدة
واحدة من مجتمع ليس له غنى عنه حتى في أدق تفاصيل حياته
نعم لا يكفي أن
تكون في هذا العالم صالحاً بنفسك لتعيش المثالية لوحدك ، لأنك تعيش في
أمواج وتيارات جارفة من الأفكار والتوجهات ، ولا يكفي لأنك لا تريد أن تنجو
بالسفينة لوحدك ، ولا يكفي لأن الحياة لا تسير بك في هذا الطريق وحدك ،
ولا يكفي لأن فساد غيرك يمتد بضرره إليك وإلى أسرتك وإلى مجتمعك وإلى كل
معاملة تريد إنجازها
مدرس فاشل يعلم ابنك ، أو تلميذة سيئة تصاحب ابنتك ،
أو منهج عقيم يدرس لكليهما ، أو إدارة لا تستطيع تسيير المرفق التعليمي
كما ينبغي ، أو مباني متهالكة لا تجد من يقوم على صيانتها أو تجديدها ، أو
مدرس أجنبي لم ينبه إلى أنه يعلم في مجتمع لديه ثقافة وهوية خاصة به ، أو
مدرسة حكومية أو خاصة تعلم كل شيء باهتمام وبتركيز إلا لغتنا العربية (لغة
الثقافة والهوية) ، فهل يكفي في كل هذا أن تكون صالحاً؟! ، وهل لك من يد
لتصلح كل ذلك الخلل في بيتك!! ، وهل ستقول يكفي أني ربيت ولدي وقمت على
أمره حتى وأنت ترى كل ذلك الخلل أم ستكون لك يد لتصلح هذا الفساد لمصلحتك
أنت أولاً لا لمصلحة غيرك.
أنت صالح لكنك لا تسيطر على الإعلام فلا بد
من يد تساعدك في إصلاح ما يصدر عنه حتى تستطيع المحافظة على أسرتك.
أنت
صالح لكنك لا تستطيع منع ابنك من السير في الشارع الذي يمتلئ بكل غث وسمين.
أنت
صالح ولكنك لا تستطيع منع البعض من التجاوز على حقوقك بدون نظام يحفظ تلك
الحقوق.
أنت صالح ولكنك لا تستطيع ولن تستطيع أن تسيطر على الكون ،
ولكنك تستطيع أن تساهم في التغيير ولو بكلمة.
لذلك كان ( إماطة الأذى عن
الطريق صدقة ) ، أي مساهمة فعلية في إصلاح الطريق الذي تسلكة.
ولذلك
كانت ( الكلمة الطيبة صدقة) لأنك تغير بها النفوس التي تتعامل معها إلى
الأفضل.
ولذلك كان ( أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) حيث تغير
الكلمة وتظهر الحق للناس وتبطل الباطل ولو على حساب زهق الروح ، فذهاب
الروح في سبيل الإصلاح أمر عظيم الخطر ولكنه عظيم الأجر أيضاً ، (وليس كما
يريد البعض من صلاح النفس فقط).
نعم إنها كلمة حق يراد بها باطل ( أنا
صالح)، حيث يحلو لضعاف النفوس من التشبت بفتات الدنيا والتزيين لأنفسهم
بأنهم لا يخالطون الفساد بل هم صالحون في أنفسهم ( وما درو بأنهم هم سبب
الفساد في الأرض لأنهم عرفوا الصالح من الطالح ولم يتغير وجههم لذلك السوء
الذي يشاهدونه ) وأنهم أول من يدمر به البلد ، وأنهم كعباد بني إسرائيل
الذين رضوا بالفساد الخبيث ولم يمنعهم ذلك من أن يداهنوهم (بل ويشاركوهم) ،
(وينافقوهم) في حياتهم حتى أصبحوا مثلهم في تبلد الشعور والإحساس فيما هو
معروف وما هو منكر.
وأن تكون صالحاً لا يكفي (ولا يكفي ولا يكفي) … بل
لا بد من إصلاح يستقيم به أمر المجتمع ، وكل على ثغرة يسدها ، فلك دور في
البيت ولك دور في الشارع ولك دور في المجتمع ولك دور في المدرسة ولك دور في
الإعلام ولك دور في الحي ولك دور في عملك ولك دور في مؤسسات الدولة
وعندما
ترى أن الدولة أصبح فيها ممن يسد الخلل عنك ( بأفراد ومؤسسات) بما يكفي
حينها تستطيع القول الآن يكفي
أما الآن فلا يكفي حتى نرى هذه
الأمة تنهض من كبوتها ،وهذا البلد يصلح مسيرته ، وهذا المسؤول يقوم اعوجاجه
، وذاك الفرد ينتفض من سلبيته ، حينها سنعرف أننا على الطريق الصحيح.
-
لن نقول أبداً أن تكون صالحاً يكفي ، لأن الحضارة لا تبنى بمن يكتفي من
الخير.
بقلم : محمد صقر الزعابي
مركز الإمارات للدراسات والإعلام
