مصطفى نقيب تجارى
عدد الرسائل : 5707 العمر : 31 مكان السكن : مصر الوظيفة : طالب في كلية دار العلوم الهواية : كرة القدم السٌّمعَة : 7 تاريخ التسجيل : 04/09/2007
| موضوع: ما أحلى طعم الموت الجمعة سبتمبر 07, 2007 10:20 am | |
| عقارب الساعة تكاد تتجاوز الثانية ظهراً >> >>يلملم "عبدالسلام" حاجياته مسرعًا؛ فلم يتبق على بدء حظر >> >>التجوال في مدينته القدس سوى ساعتين >> >>يجب أن يخرج من المكتب قبل أن تزدحم الشوارع بالعائدين إلى >> >>بيوتهم؛ فما زال أمامه المرور على طفليه لإحضارهما من >> >>المدرسة، ثم شراء مستلزمات البيت حتى الغد، ثم السير لأكثر >> >>من عشرين دقيقة فالحافلة لا تمر إلا بالشوارع الرئيسة.. إنها >> >>معاناة كل يوم >> >>يخرج عبدالسلام من المكتب متعجلاً؛ يتجاهل حتى رد السلام >> >>فربما يجره رد السلام إلى ثرثرةٍ لا طائل منها سوى التأخير >> >>وإضاعة الوقت >> >>الحمد لله، لم تتأخر الحافلة، سأصل إلى المدرسة قبل خروج الأطفال >> >>ما شاء الله.. مقعدان خاليان بالحافلة - >> >>أعتقد أن الجلوس بجوار هذا الصبي الصغير سيكون أفضل من >> >>الجلوس بجوار السيدة >> >>تفحص عبدالسلام الصبي سريعًا.. فلم ير إلا جسده النحيل، إنه لا >> >>يتجاوز الخامسة عشرة؛ ولكن لماذا يدور ببصره من خلال النافذة >> >>وكأنه يبحث عن شيء ما؟ إنه حتى لا يشعر بوجودي >> >>بماذا يتمتم؟ >> >>لعله يهمس لنفسه بكلمات إحدى تلك الأغنيات الغريبة التي >> >>يسمعها الصبية هذه الأيام.. أفضل شيء أن أحاول الاسترخاء >> >>قليلاً، فما زال الطريق طويلاً، وأنا أشعر اليوم بأنني منهكٌ تماماً >> >>التفت الصبي إليه فجأة، وكأنه يتساءل: منذ متى وأنت هنا؟ >> >>بادله عبدالسلام بنظرة ترحاب، تجاهلها الصبي ليعود إلى النافذة >> >> من الواضح أن هذا الصبي غريب الأطوار >> >>ربما يمر بأزمة عاطفية، أو ربما هي أعراض الحب الأول.. >> >>وقبل أن يهمَّ عبدالسلام بالضحك في أعماقه.. التفت إليه الصبي >> >>فجأة >> >>هل ذقت طعم الموت يا سيدي؟ - >> >>ماذا؟.. طعم ماذا؟ - >> >>قالها عبدالسلام متعجبًا فزعًا من هذا السؤال المفاجئ >> >>الموت يا سيدي - >> >>شعر عبدالسلام بأن كلمة "غريب الأطوار" كانت مجحفة لشخصية >> >>هذا الصبي.. ولكن لا بأس؛ فالحوار يقتل دقائق الانتظار للوصول >> >>إلى المدرسة >> >>وماذا يعرف صبيٌ في مثل عمرك عن الموت؟ - >> >>ليس أكثر مما تعرفه أنت يا سيدي، وليس أقل - >> >>فماذا تعرف أنت عن الموت؟ >> >>الموت يا بني.. الموت هو الموت - >> >>هل رأيت يا سيدي؟ نحن لا نعرف شيئًا عن الموت، فمن منا - >> >> يستطيع أن يصف ملامح الموت؟ >> >>وكذلك الموت.. لا يعرفنا؛ فهو لا يميز صغيرنا من كبيرنا، ولا ضعيفنا >> >>من قويِّنا، ولا فقيرنا من غنيِّنا >> >>يا سيدي نحن والموت كمسافرين في قطارين متعاكسين؛ لا >> >>نلتقي إلا للحظاتٍ معدودة؛ لا تكفي للتعارف >> >>صدقت يا بني؛ ولكن من في مثل عمرك يتحدث عن الموت - >> >> ولماذا يا سيدي؟.. الموت سلعة بائرة لا يشتريها الكبار عندما يجب - >> >>عليهم ذلك.. لذا يجدها الصغار في الأسواق بأبخس الأثمان >> >> ربما - >> >>قالها مفضلاً قطع هذا الحوار السخيف، ومتعجبًا من هذه الفلسفة >> >>الغريبة التي تورط في الإنصات إليها >> >>أعاد الصبي النظر من النافذة، ثم ما لبث أن التفت ثانيةً إلى عبدالسلام >> >>لم تجبني يا سيدي؟ - >> >> بماذا يا بني؟ - >> >> هل ذقت طعم الموت؟ - >> >>يا بني: الموتى فقط هم من يذوقون طعم الموت، أما الأحياء فلا - >> >>يا سيدي: الموتى لا يتذوقون.. إنهم موتى؛ ألا تفهم؟! إنهم موتى - >> >> يا بني: إذا كان الموتى لا يذوقون طعم الموت؛ فكيف تدَّعي أن - >> >>الأحياء يذوقونه؟ >> >>لأن الأحياء هم من أنعم الله عليهم بالإدراك.. لذا فهم يتذوقون - >> >>ولكن.. ألم تقل يا بني إننا لا نعرف شيئًا عن الموت؟ - >> >>صحيح يا سيدي.. ولكننا نستطيع أن نشم رائحته، أن نذوق طعمه - >> >>كيف ونحن لا نعرفه؟ - >> >>يا سيدي، عندما تخرج من بيتك كل صباحٍ تتلمَّس الموت.. تذوق طعمه - >> >>عندما تجوب الشوارع والطرقات.. تفتش عن الموت.. تذوق طعمه >> >>عندما تطارده بجسدك الضعيف غير مبالٍ.. تذوق طعمه >> >>عندما تشعر به يفر من أمامك مذعورًا.. تذوق طعمه >> >>عندما تجده أجبن من أن يحصدك.. تذوق طعمه >> >>عندما تعود إلى دارك آخر النهار مهمومًا؛ لأنك لم تمسك بالموت >> >>تذوق طعمه >> >>يا سيدي، عندما تخرج لسانك للموت.. تذوق طعم الموت >> >>نظر عبدالسلام إلى الصبي مرتابًا، وقد سرت بأطرافه قشعريرة باردة >> >>"ربما يكون به مسّ" >> >>نفض الفكرة عن ذهنه سريعًا.. ربما الحديث عن الموت هو ما >> >>يفزعه، ولم لا ؟ فالنفس البشرية تجزع من الموت >> >>ولكن ما بال هذا الصبي يتحدث عن الموت وكأنه صديقٌ حميم >> >>يعرفه جيدًا؟ هل يكون روحًا؟ >>!! >> ما هذا يا عبدالسلام؟ هل تفقدك عباراتٍ بلهاء- يهذي بها صبيٌّ >> >>مخبولٌ صوابك >> >>تمنى عبدالسلام لو يعاود الصبي حديثه، فربما قطعت الكلمات >> >>هذا السيل من الأفكار البلهاء التي تحاصره >> >>وكأن الصبي يتعمد أن يدعه لأفكاره تعبث به مكتفيًا بالنظر من >> >>خلال نافذته >> >>حاول عبدالسلام مجاذبة الصبي أطراف الحديث مرة أخرى.. >> >>إلى أين أنت ذاهبٌ يا بني؟ - >> >>إلى داري - >> >>هل كنت في المدرسة؟ - >> >> لا - >> >> هل تعمل؟ - >> >>نظر إليه الصبي بحزن وقال .. >> >>أبي لا يجد عملاً، وكذلك أخي الأكبر - >> >> إذًا مِن أين قدمت؟ - >> >>من بيتي - >> >>ألم تقل منذ لحظات إنك في طريقك إلى بيتك؟ - >> >> لا يا سيدي.. وإنما قلت أنا في طريقي إلى داري >> >> تراقصت الحيرة في عينيَّ عبدالسلام مغلفةً كلماته >> >>قادمٌ من بيتك.. وفي طريقك إلى دارك؟ - >> >>نعم يا سيدي.. قادمٌ من بيتي وفي طريقي إلى داري - >> >>.. ما الغريب في هذا؟ >> >>لا شيء يا بني.. لا شيء - >> >>شعر عبدالسلام بالرغبة في النهوض سريعًا.. بالتأكيد هذا الصبي >> >>ليس طبيعيًّا >> >>تمنى لو تسرع الحافلة قليلاً لينهي هذا العبث.. تمنى لو لم >> >>يستقل هذه الحافلة، لم يرها.. >> >>أحس بالندم؛ لأنه لم يرد السلام على زميله أثناء خروجه.. لربما >> >>شغلهما الحديث حينها فيعمى عن رؤية هذه الحافلة اللعينة >> >>وكأنما أدرك الصبي أنه قد نال من عبدالسلام.. فتحركت ملامحه >> >>الجامدة ليمتلئ وجهه لأول مرة بابتسامة مودة >> >> هل لديك أطفال يا سيدي؟ - >> >>نعم، لدي "نضال" عمره ثماني سنوات، و"جهاد" عمرها ست - >> >> سنوات، و"صلاح الدين" عمره ثلاث سنوات >> >> قَــرَّ الله بهم عينك - >> >> >>وأدامك الله لأهلك سالمًا يا بنيّ - >> >> عندما يكبر أطفالك يا سيدي، عندما ينضجون، عندما يفهمون - >> >> عندما يسألونك عن الموت.. >> >>قل لهم يا سيدي >> >>" ما أحلى طعم الموت " >> >>لم يمهلني الوقت للتفكير في معنى كلماته، فقد صرخ فجأة >> >>مستوقفًا السائق، لينهض مهرولاً إلى الباب الأمامي حتى كاد أن >> >>يزيحني من مقعدي >> >>وقبل أن يهبط من الحافلة.. توقف فجأة وكأنه تذكر أمرًا مهمًّا.. نظر >> >>إلى السيدة التي بجواري؛ عانقها بعينيه، قبَّــل يديها وسألها الدعاء >> >>أطالت النظر إليه وكأنها تحفر ملامحه في ذاكرتها؛ احتضنته >> >>بعينيها، خبأته في صدرها، طبعت على خديه قبلة عميقة >> >>رسم على شفتيه ابتسامة رضا وهبط مسرعًا.. >> >>أخذ يعدو في الطريق كالصاروخ المنطلق يخترق الزحام.. لا أدري >> >>لماذا؟ أو إلى أين ؟ >> >>إنه فعلاً صبيٌّ غريب.. حتى أفكاره وكلماته غريبة مثله >> >>انطلقت الحافلة.. نظرت إلى السيدة أفتش في ملامحها عن سر >> >>هذا الصبي.. لقد تصلبت ملامحها حتى بدت كالموتى >> >>لم تمر سوى لحظات.. حتى دوى صوت انفجارٍ هائل.. توقفت >> >>الحافلة فجأة، نهض كل من بداخلها يتطلعون إلى الخلف >> >> >>لقد كانت سيارة عسكرية اسرائيلية تحترق ككومة من القش.. >> >>قطع صمت الجميع زغرودة طويلة أطلقتها تلك السيدة >> >>لقـد كانت أمّــه .. >> >>.. أبـت إلاّ أن تصحبـه إلى حفـل عرسـه >> >>من د.طـــارق فـــاروق [/center]
عدل سابقا من قبل مصطفى في الخميس مايو 15, 2008 7:09 pm عدل 1 مرات | |
|
.ندى. نقيب تجارى
عدد الرسائل : 14301 العمر : 35 مكان السكن : مصر حبيبتى الوظيفة : ..... الهواية : التعلم و المناقشة و الرسم و النت طبعاD: السٌّمعَة : 37 تاريخ التسجيل : 29/04/2007
| موضوع: رد: ما أحلى طعم الموت الجمعة سبتمبر 07, 2007 12:59 pm | |
| جمييييييييييييله جداااااااااا و مؤثرة جدا ليه حق يقول ما احلى طعم الموت لانه مش ميت لكن هو حى لانه شهيد ربنا يكرمك و يجازييك كل خير سلااام عليييييييييييكم و رحمة الله و بركاته | |
|
Professor نقيب تجارى
عدد الرسائل : 10242 العمر : 36 مكان السكن : القلعة الوظيفة : شغاااااااااااااااااال الهواية : الكورة طبعا السٌّمعَة : 27 تاريخ التسجيل : 29/04/2007
| موضوع: رد: ما أحلى طعم الموت الجمعة سبتمبر 07, 2007 4:03 pm | |
| جزاك الله خيرا يا اخى العزيز ربنا يكرمك على المجهود الجبار ليك معانا | |
|